أشرف خليفة – إرم نيوز
تشهد العاصمة اليمنية المؤقتة عدن ارتفاعا حادا في عدد الحالات المصابة بالحمى التي تغزو المدينة هذه الأيام؛ إذ تعجّ العديد من المشافي بالمرضى إثر إصابتهم بأحد أنواع الحمى، حيث بلغت حالات الاشتباه آلاف المواطنين، وتوفي نحو 12 شخصا منهم.
ووصفت مصادر طبية، في حديثها لـ"إرم نيوز"، الوضع الذي تشهده عدن من ارتفاع عدد الحالات المُصابة بالحُمّى بـ"الكارثي"، مشيرة إلى أن المشافي مليئة ومكتظة عن آخرها بالمرضى المُصابين بمرض الملاريا وحُمّى الضنك.
وطالبت المصادر الجهات المختصة في الدولة "بالقيام بواجبها المناط بها، وأداء مهامها على أكمل وجه، والتحرك العاجل لاحتواء الأزمة وتدارك تفشي انتشار الأمراض قبل تفاقمها إلى مراحل لا يُحمد عقباها، وتحولها من أمراض منتشرة بين أوساط الأهالي إلى وباء يجتاح كامل أرجاء المدينة".
ولفتت المصادر إلى أن ارتفاع أسعار الأدوية والمحاليل الطبية "قسم ظهور المواطنين، لا سيما من يعانون فقرا مدقعا؛ إذ يعجز الكثيرون منهم عن شراء وتوفير العلاجات الطبية لذويهم المرضى.
وبلغ عجز البعض حدّ عدم تمكنهم من شراء جرعة (قِربة) واحدة فقط من محلول (باراسيتامول - Paracetamol)، وهو محلول طبي يعمل كمضاد للالتهابات، ومسكن للآلام، وخافض للحرارة، وتُستخدم طريقة إعطائه عبر التنقيط الوريدي".
في هذا الصدد، قدّم مدير الترصد الوبائي في مكتب الصحة العامة والسكان بعدن، الدكتور مجدي سيف الداعري لـ"إرم نيوز" توضيحا شاملا عن الوضع الصحي الراهن في عموم المحافظة.
وقال الداعري: "انتشار الحُمّيات (الملاريا، وحمى الضنك، والحميات النزفية) منتشر في عدن منذ عدة سنوات، كونها من الأمراض المستوطنة في عدن، ونشهد خلال هذه الفترة من كل عام زيادة موسمية، نظرا لطبيعة نشاط البعوض الناقل للأمراض الحُمّية خلال فصل الشتاء وحتى بداية فصل الصيف".
وأفاد بأن "العام الحالي شهد ارتفاعا كبيرا وانتشارا أوسع في المصابين بالحُمّيات، مقارنة بالسنوات الأخيرة"، عازيا ذلك إلى "تدهور الخدمات وتراجع الوعي المجتمعي، بالإضافة إلى النمو السكاني الضخم نتيجة انتقال الكثيرين من أبناء المحافظات الأخرى للعيش في عدن؛ ما يجعل تفشي الأمراض وانتشارها في تزايد مستمر".
وأشار إلى أن "الوضع الوبائي مقلق لنا جميعا، كون المحافظة باتت قبلة للناس من مختلف مناطق البلاد؛ ما أدى إلى كثافة سكانية عالية، بالإضافة إلى النزوح، والمخيمات، والعشوائيات، وتردي الخدمات الأساسية، وهو ما ساهم في زيادة الحالات".
وبحسب الداعري، فإنه "منذ بداية العام الجاري رُصدت العديد من الحالات، حيث وصل عدد حالات الاشتباه في الإصابة بالملاريا إلى قرابة 50 ألف حالة مُسجلة، بينما تم تسجيل ألف حالة إصابة مؤكدة بحمى الضنك، كما سُجّلت 12 حالة وفاة، منها 5 حالات من مديرية البريقة شمال غربي عدن وحدها".
وحول ارتفاع أسعار الأدوية وعجز الكثير من المواطنين عن توفيرها، أوضح أن "الأدوية التي نحتاجها لمعالجة حالات الحُمّى هي السوائل الوريدية وخافضات الحرارة، بالإضافة إلى أدوية علاج الملاريا، وهذه الأدوية متوفرة تقريبًا في المستشفيات الحكومية وبأسعار رمزية".
نقص الأدوية وقلة الدعم
وأضاف: "يوجد نقص في المحاليل الخاصة بخافضات الحرارة الوريدية"، لافتًا إلى أن "المضادات الحيوية ليست ضمن بروتوكول علاج هذه الحُمّيات، لكنها قد تُستخدم في حال حدوث مضاعفات أخرى، وهي أيضًا تعاني من نقص في الصيدليات التابعة للمستشفيات الحكومية".
وأرجع أسباب نقص المخزون الاستراتيجي من الأدوية إلى "ارتفاع عدد الإصابات هذا العام وتقليص الدعم المقدم من المنظمات الدولية بعد توقف الكثير منها عن دعم المرافق بسبب توقف الدعم الأمريكي".
وأكد أن "الحالات الحالية هي حالات حمى الضنك والملاريا، وتم تأكيدها بالفحوصات المخبرية"، نافيًا وجود أي مرض أو فيروس جديد، موضحا أن "معظم الوفيات ناتجة عن حمى الضنك النزفية، نتيجة تأخر المرضى في الذهاب إلى المراكز والمستشفيات لتلقي العلاج؛ إذ يخضع علاجها لبروتوكول طبي داخل المستشفى وليس في المنزل".
وشدّد على ضرورة توجه أي شخص يعاني من الحمى إلى أقرب مركز طبي، محذرا من تناول الأدوية المهدئة مباشرة من الصيدليات، كونها قد تُسبب أضرارا صحية كبيرة، ومنبها إلى أن "الخلطات التي تُصرف في بعض الصيدليات تحتوي على مادة البروفين التي تسبب النزيف".
بيئة مناسبة لتكاثر البعوض
وأوضح أن العديد من المواطنين يلجأون، عند إصابتهم بالحمى أو نزلات البرد، إلى ما يُعرف بـ"الخلطة"، وهي عبارة عن خلط أقراص فوارة من سولبادين وفيتامين C مع البروفين في نصف كوب ماء وشربها دفعة واحدة.
وللوقاية من الإصابة، شدد الداعري على أهمية "تجنّب توفير بيئة مناسبة لتكاثر البعوض، مثل المياه الراكدة الناتجة عن أجهزة التكييف أو المتجمعة في الأوعية والخزانات المكشوفة، أو في مواقع البناء، حيث يتكاثر البعوض في المياه النظيفة".
وفي ما يخص جهود مكتب الصحة، قال الداعري: "فرقنا تعمل ميدانيا على مدار العام، ويجري إرسال فرق الترصد الوبائي إلى أماكن الحالات المُبلّغ عنها للبحث عن بؤر اليرقات والتدخل الفوري، بالإضافة إلى تنفيذ حملات توعية مستمرة لتعريف المواطنين بمخاطر التهاون مع مسببات هذه الأمراض".
واختتم حديثه بالقول: "لا نزال في حالة تأهب دائم، لا سيما مع انتشار أوبئة أخرى مثل الحصبة، التي شهدت هي الأخرى ارتفاعا مؤخرا، نتيجة عزوف الأهالي عن تلقيح أطفالهم في الحملات الدورية".