منذ ثماني سنوات، يواصل "غاليري ليفانتين" ومقره في القدس الشرقية مدّ جسر بين الفن التشكيلي داخل فلسطين، على وجه الخصوص في الضفة الغربية وقطاع غزة وأماكن العرض في العالم، أينما توافرت السبل إلى ذلك.
وهذا ما حدث في الدوحة حيث افتتح في بهو "غيت مول" بـ الدوحة معرض "أبواب القدس" مع عنوان فرعي "عيوننا إليك ترحل كل يوم" المأخوذ من أغنية "زهرة المدائن" للمطربة فيروز، بما جعل المعرض جزئياً تحت هذا العنوان وكلياً تحت عنوان فلسطين دون أن يتعارضا.
جاءت القدس الأيقونية وما حولها من قرى ممثلة في مساحة كبرى، إلا أن ثمة أعمالاً جديدة أُنتجت في غزة من فنانين قدموا منها أو رسموها وتمثلوا نكبتها الكبرى. وهذه جميعها اصطفت على عدة جدران تركيبية وسط البهو حتى تجعل من الزائر يخرج من صفحة ليدخل أخرى كأنها جميعاً في كتاب مفتوح.
عليه، فور بدء الجولة لا يعود العنوان متطابقاً حرفياً مع المحتوى، بل هو أبعد من ذلك وأكثر وجاهة، أبواب القدس التي تؤدي إلى فلسطين كلها. كما تمنح هذه الفسحة التشكيلية مجالاً آخر لتقديم أشغال يدوية، على طاولات مستقلة عن اللوحات، بما يجعل المعرض منصة عرض تفضل تقديم طيف تشكيلي وفي ظله منتجات حرفية، ما يحيط بالذات الجمعية في حقلين بصريين نجد معادلهما الأدبي في الفارق بين الحكي والكلام.
وشارك في المعرض عشرات الفنانين من بينهم سليمان منصور، تيسير بركات، وعاهد ازحيمان، ومصطفى الخطيب، ورائد عسكر، وبشار الحروب، ومعتز نعيم، وحسني رضوان، وطالب الدويك، وشريف سرحان، وعلاء البابا، وحمزة الأطرش.
وقالت مديرة الغاليري كارين سلهب إن "ليفانتين" الذي تأسس قبل ثماني سنوات يشكل مظلة للأعمال الفنية في كل فلسطين، لكن الاهتمام يتركز أكثر على الفنانين الذين تحكمهم ظروف صعبة في الحركة الداخلية، والسفر إلى الخارج بالتأكيد.
عدة أجيال تجتمع في مكان واحد، ومشارب فنية مختلفة، قرر الغاليري أن يقدمها تحت منصة فلسطينية للتعريف بمنتج تشكيلي، كان من المقرر في البدء أن تضم أسماء معروفة ومحددة، ثم جرى بعد ذلك فتح الباب لاستقبال أكبر عدد من أعمال الفنانين.
ومباشرة تقول كارين سلهب إن "لدينا هدفاً بين ما نراه لصالح التشكيل الفلسطيني وهو توفير منتجات مختلفة بتقنيات مختلفة، حتى لا نقع دائماً تحت شروط السوق التشكيلي".
تشير هنا إلى أن فنانين يشاركون بأعمال أصلية، وآخرين، خصوصاً أصحاب الأعمال التي نالت الشهرة والحظوة، يقدمون نسخاً مطبوعة بأعداد محددة وموقّع عليها.
وكارين المحامية التي عملت في منظمة لحقوق الإنسان، بريطانية متزوجة من فلسطيني مقدسي، تتبنى وجهة نظر تسويقية مفادها أن النسخ الطباعية الموقع عليها من الفنانين توسع أكثر قاعدة المقتنين، إذ إن النخبة الضيقة فقط هي من تستطيع الحصول على الأعمال الأصلية بأسعار نراها دائماً خيالية.
نطالع القدس أول الأمر، في الأيقونة التي لا تتكرر حتى كلما قرر فنان أن يكرر مفرداتها البصرية، إلى أن يقرر أحد آخر أن قبة الصخرة يمكن أن تلوح كغيمة تعبيرية.
العديد من الفنانين يرسمون ذاهبين إلى احتمالات تشكيلية قريبة أو بعيدة، مدركين في الوقت ذاته أن توكيد الذات الفلسطينية تقع بين الممكن الجمالي والضروري الواجب رسمه.
ثمة لوحات تعرف طريقها إلى الوعي الصلب المتجدد، كأن ترى الصبار والبرتقال وبيوت الحجر في لفتا المهجرة من سكانها، والمتخيلة عن بعد في المعرض، والكوفية، والبطيخ، وأخرى تنزاح قليلاً دون أن تنفلت من البؤرة المركزية.
دائماً هناك بؤرة تدور حولها الأشكال والتعبيرات التي تغير في معجمها وألوانها دون أن تفقد طريقها، وتراهن دائماً على أن الفن طريق يمكن أن يبدأ من باب مقدسي أو يعود إليه، ويمكن للفلسطيني الفنان أن يجعل من السطح مينمالية الهوى حيث إن "القليل هو الأكثر"، والمختفي ساطع الحضور.
العربي الجديد - محمد هديب.