نبراس الشرمي - باب نيوز:
في ظل صمت مريب من منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، جوليان هارنيس، الذي يعمل من صنعاء، وله علاقات وثيقة بالمليشيا الحوثية لسنوات طويلة، لا تزال المليشيا -المصنفة إرهابية- تتعسّف الموظفين الذين يعملون مع المنظمات الدولية وتحتجزهم بتهمة التجسس.
هذا الوضع يثير العديد من التساؤلات حول شخصية جوليان هارنيس، التي تتأرجح بين الدعم الإنساني والتأييد السياسي، مما يضع مصداقيته كممثل لمنظمة دولية في موضع تساؤل، ويبرز التحديات التي تواجه العاملين في المجال الإنساني في مناطق الصراع.
"حقائق حول جوليان هارنيس"
دخل جوليان هارنيس إلى المشهد اليمني في 17 مارس 2013 كمنسق لمشاريع اليونيسف، واستقر في العاصمة صنعاء، حيث بدأ بجولات ميدانية تهدف إلى معالجة قضايا "زواج القاصرات، عمالة الأطفال، مشاكل المياه، وسوء التغذية" وشارك في إعادة بناء المدارس في صعدة، معقل الحوثيين.
وبعد سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر 2014، ارتقى جوليان إلى منصب ممثل اليونيسف في اليمن، وبدأت الأمور تأخذ منحى آخر، حيث أصبح يتواصل بشكل دائم مع المليشيا الحوثية، وكانت زياراته الميدانية تركّز بشكل كبير على مناطق سيطرتهم.
في مطلع العام 2015، ومع احتدام الصراع واشتداد المعارك في محيط دار الرئاسة بصنعاء، كان اهتمام جوليان منصبًا على الاستعداد للاستجابة الطارئة، وبعد سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية، استمرت زياراته الميدانية وبدأ في تعزيز علاقاته مع الحوثيين.
وفي مطلع فبراير من نفس العام، شارك جوليان هارنيس، الحوثيين في إعلانهم الدستوري -عقب الإنقلاب على السلطة الشرعية- الذي قضى بحل البرلمان، وتشكيل مجلس وطني يتولى اختيار مجلس رئاسي مشكل من 5 أعضاء، وتعيين حكومة من الكفاءات.
وفي العام 2016، قدّم جوليان إحاطة إلى اللجنة البرلمانية البريطانية، داعيًا فيها إلى وقف الضربات الجوية ودعم موظفي حكومة الانقلاب الحوثيين -غير المعترف بها- الذين يواجهون التحالف العربي، واصفًا إياهم بـ"الشجعان".
وبعد جولة دبلوماسية شملت لندن، نيويورك، برلين، وعمّان، عاد جوليان إلى صنعاء وبدأ بزيارات ميدانية مكثفة إلى مناطق سيطرة المليشيا الحوثية مثل صعدة وكتاف، ونشر تقارير وصورًا تروّج لدعمه للحوثيين وتنتقد التحالف العربي.
في أكتوبر من العام ذاته، أصدر بيانًا رسميًا من صنعاء مؤيدًا لجهود الحوثيين في إعادة الطلاب إلى المدارس، وداعمًا للمناهج الطائفية التي تسعى لغسل أدمغة الطلاب بفكر الجماعة الحوثية الارهابية.
عند تعيين جوليان هارنيس منسقًا مقيمًا للشؤون الإنسانية في اليمن، رفضت الحكومة اليمنية الشرعية برئاسة الدكتور، معين عبدالملك، التعامل معه أو الموافقة على قرار تعيينه، واستمرت في الرفض حتى قبل يومين فقط من مغادرة معين لمنصبه وتعيين الدكتور بن مبارك خلفًا له في الخامس من فبراير الماضي.
وفي السابع من فبراير، أعلن موقع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن قرار تعيين جوليان هارنيس، منسقًا مقيمًا للأمم المتحدة في اليمن. كان لهذا القرار وقعًا صادمًا على الأجهزة الأمنية والسلك الدبلوماسي، ولكنه قوبل بترحاب كبير من الحوثيين الذين استقبلوا المنسق الجديد في صنعاء كمقر دائم له، على الرغم من الدعوات الحكومية والدولية لنقل مقرات المنظمات الدولية إلى العاصمة عدن.
ومنذ تعيين جوليان هارنيس في هذا المنصب، ارتفع العجز في خطة الاستجابة الإنسانية لدى اليمن بشكل كبير، وذلك بسبب فقدان ثقة الدول المانحة فيه، ونتيجة لذلك، أصبح الدعم المخصص لليمن يذهب بشكل كبير إلى مرتبات ونفقات إدارية لجوليان وفريقه من الأجانب، بينما يصل القليل منه فقط إلى المتضررين الحقيقيين في اليمن.
الصمت المريب للرجل، والعلاقات الوثيقة التي تربطه مع المليشيا تجعل من الصعب الثقة في نواياه الحقيقية وحياده، وهو الأمر الذي يعقّد الجهود الإنسانية ويؤثر سلبًا على فعالية تقديم المساعدات للأشخاص الأشد ضعفًا في اليمن، مما يفرض إعادة النظر في كيفية الحفاظ على الحياد والنزاهة للعمل الإنساني في بيئات النزاع.
"توجهات وأفكار جوليان هارنيس"
يُعد جوليان، من أشد المعارضين لدول الخليج العربي، أو ما يُعرفه بـ"الأغنياء العرب" ويتبنى فكرة أن الخليج العربي يتكون من مجموعة من الأغنياء الذين يشترون ولاءات الحكومات الغربية، وهو ما ظهر جليًا في خطاباته أمام البرلمان.
ومن الأفكار التي يتبناها هارنيس، أن المليشيا الحوثية "المصنفة إرهابية" هي حركة اجتماعية ظهرت ضد الحكم الفاسد، وليست انقلابًا أو مليشيات دينية عقائدية أو طائفية، وقد أشار دولة رئيس مجلس الوزراء، الدكتور، أحمد عوض بن مبارك، في مقابلته الأخيرة من نيويورك على قناة الحدث، بأن المجتمع الدولي سابقًا قام على جملة من السرديات الخاطئة، فقد كانوا يقولوا بأن الجماعة الحوثية هي جماعة ليست عقائدية، وهي جماعة سياسية اجتماعية، وأنها لا يمكن أن تستهدف المصالح، ولا يمكن أن تشكل تهديد للاستقرار الاقليمي والدولي، وهي ما سقطت بسقوط هذه السرديات التي قامت عليها المعادلة والمقاربة السياسية والدولية سابقًا.
"آيديولوجية جوليان هاريس"
عندما قامت المليشيا الحوثية باعتقال الموظفين الأمميين، طلب جوليان هارنيس إجازة وقضاها في قبرص، ليعود إلى عمله بعد انتهاء حملة الاعتقالات بصمت، وكأن شيئًا لم يكن. هذه العودة فسرها نشطاء حقوق الإنسان كإشارة لمباركته لعمليات الاعتقالات التي جرت في صنعاء بحق الموظفين الأمميين.
وحتى اللحظة، لم يقم جوليان هارنيس بأي رد فعل ضاغط على الجماعة الحوثية، ولم يطلق أي تصريح منذ بدء الاختطافات في يوليو الماضي.
وبعد تكرار حملة الاعتقالات، ظهر جوليان في ندوة بالمعهد الملكي البريطاني "تشاثام هاوس"، مؤكدًا دعمه لجماعة الحوثي وندد بالضربات الدولية ضدهم، موضحًا أن الدعوات لوقف أنشطة الأمم المتحدة في شمال اليمن "غير مقبولة" وفقًا لتعبيره.
جوليان وسفراء الدول الأجنبية
يرفض جوليان هارنيس تأمين احتياجات سفراء الدول الأجنبية إلى العاصمة عدن "بحجة أن هذه الزيارات تؤجج الصراع وتفاقم الأزمة اليمنية" وفي المقابل، يقدم كافة التسهيلات والدعوات لنفس الجهات لزيارة العاصمة المختطفة "صنعاء" بحجة الاطلاع على الوضع الإنساني.
وهذا ما حدث بالتحديد مع سفراء الاتحاد الأوروبي الذين طلبوا من المنسق المقيم توفير سيارات وسكن لهم في العاصمة عدن، خلال لقاءهم مع مسؤولين في الحكومة الشرعية، وهو الأمر الذي رفضه جوليان هارنيس كما ذكرنا سابقًا.
وبسبب الفراغ الذي خلفه جرودنبرغ في المشهد السياسي اليمني، وللدور الكبير الذي تلعبه المملكة المتحدة في العملية السياسية، يمارس جوليان هارنيس، دور المبعوث الأممي في اليمن، مستغلًا قربه من لندن لتمرير الحجج والسرديات والمغالطات التي تدعم المليشيا الحوثية الارهابية.
وقود الطائرات
مؤخرًا، وبعد ضرب ميناء الحديدة، طلب جوليان هارنيس من الحكومة الشرعية توفير كميات كبيرة من وقود الطائرات، مما أثار شكوكًا حول دوافع هذا الطلب الذي قد يكون محاولة لدعم الحوثيين بالوقود لتشغيل الطائرات التابعة لـ"الخطوط الجوية اليمنية" التي اختطفتها المليشيا منتصف العام الماضي، والتي لم يعد بإمكان الجماعة تأمين وقود لها.
ولكن ردت الحكومة الشرعية بأن الأمم المتحدة يمكنها التزود بالوقود اللازم من مطارات المناطق المحررة، مما يعزز الشكوك حول نوايا جوليان هاريس وتفضيله لمصلحة الحوثيين.
ويبقى التساؤل الذي يطرح نفسه: مالذي يربط جوليان بالقيادي الحوثي علي محمد الكحلاني، مساعد وزير الدفاع الحوثي ومسؤول الإمداد؟ وهل ما يقوم به، منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، يندرج ضمن آيديولوجية الرجل، أو التعاطف مع تلك المليشيا الإرهابية، أم أن هناك شراكة فعلية بينه وبين الجماعة الإرهابية الحوثية؟









